Tuesday, June 26, 2007

الآخر


سوف أحاول في هذه التدوينة رصد بعض الظواهر التي تحتوي علي مؤشرات يمكن من خلالها استنتاج القواعد والنظم التي تحكم ما أسميه ب"تعاملنا مع الآخر". و"نحن" هنا تعود علي المصريين بوجه خاص والعرب بوجه عام. طبعا كما يتضح من وصف ما أعتزم القيام به فهو بالضرورة يحتوي علي نسبة من التعميم وبالتالي احتمالات عدم الدقة موجودة ولكني بوجه عام اعتقد او اتمني ان تكون فائدة التحليل اقوي من أضرار التعميم. من ناحية أخري فغني عن التوضيح ان الملاحظات مصدرها تجارب شخصية مباشرة أو غير مباشرة ويجب ان تفهم في هذا النطاق

من حيث المبدأ فإن محددات تعامل الإنسان مع الآخر تبدأ في المراحل الأولي من حياته حين يبدأ التعامل مع الواقع الاجتماعي في صدم وربما تحطيم أو تشويه المعطيات الأساسية للإنسان. وأولي هذه المعطيات وأكثرها ترسخا هي الرغبة الدفينة في إيجاد مكان له في هذا العالم – وبالتالي الاطمئنان بأن حياتنا ليست فاقدة المعني. عادة ما تؤجل الأحداث والظروف وقوع هذا الصدام الذي عادة ما يكون مؤلما لبعض الوقت وذلك لأن وجود الإنسان في محيط أسرته في أعوامه الأولي يعطيه انطباعا بأن رغبته في أن يصير محورا للكون تتحقق وتؤيدها مظاهر للواقع وبالتالي فإن كل شيء يبدو علي ما يرام. مع اتساع نطاق التفاعل والاحتكاك بالعالم الملموس بما في ذلك البشر الآخرين تبدأ محورية الإنسان تتصدع وربما تنهار تدريجيا ويصير البحث عن بديل يعيد للإنسان إحساسه بوجود مكان له في العالم أمرا ملحا. لكن في كل الأحوال تبقي المشكلة ذاتها: ان اعتناق معطيات معينة دون الأخري لا يحميها من خطر الأصدام بالآخر المختلف الرافض لتلك والمعطيات والذي يسعي هو الآخر لإيجاد مكان له في العالم وترسيخ محوريته المزعومة. ولذلك تلجأ الغالبية العظمي مننا إلي استراتيجية تبدو كأنها لا مناص منها ألا وهي اعتناق مجموعة محددة من المعطيات مع تجنب الخوض في تأصيل هذا الاعتناق أو نقده، والنتيجة الحتمية لذلك هي ان يصبح هذا الكيان المركب (الإنسان والمعطيات) رافضا من حيث المبدأ للأفكار التي تتناقض مع معطياته وطاردا لها بصورة عشوائية.

المشكلة في الإطار المذكور أعلاه هي كونه إطارا جامدا بطبعه يرفض الإختلاف وبالتالي يكون نطاق التغيير والتطوير الذي يتنج عنه محدودا.

وإذا كان بعض من القراء يتساءلون عن علاقة ما سبق بموضوع التدوينة (وهو ما أتمناه) فها هي الإجابة: العلاقة هي إنني ادعي ان المحددات الأساسية لتعامل الفرد مع الآخر في ضوء بحثه عن معني لذاته تميل إلي الانتشار علي المستوي الإجتماعي وتصبح من العناصر الأساسية فيما يسمي بالوعي الجماعي.

من هذا المنطلق فالملاحظ لما يسمي بالوعي الجماعي المصري في القرن الماضي يجد ان محاولة إيجاد أسباب للوجود raison d’etre قد تدرجت من مرحلة الإيمان بالقومية المصرية والتحرر والرافضة للآخر المتمثل في الاستعمار البريطاني إلي مرحلة اعتناق القومية العربية الرافضة للآخر المتمثل في اسرائيل وحلفائها الغربيين. بخصوص المرحلة الحالية فإنها تتميز بدرجة ما من التشتت في الوعي الجماعي ما بين اعتناق النموذج الأمريكي الذي تفرضه الطبيعة السياسية للعالم اليوم وبين رفضه من منطلق ان أمريكا هي الرمز والمحور لما يمثل الآخر بالنسبة لنا وبالتالي فإن رفضه يعد تأكيدا لذاتيتنا. ويمكن أيضا رصد هذا التشتت علي المستوي السياسي والقيم الإجتماعية. ومن حيث المبدأ فإنني لا أدعي ان عدم وجود محور ما محدد للنزعات السياسية والاجتماعية في مجتمع ما هو أمر مرفوض ولكن الظاهرة التي تسترعي انتباهي هي وجود أثر عكسي لذلك التشتت علي المستوي الجماعي أدي إلي وجود الكثير من الحالات الفردية التي تعاني من قصور في الرؤية وتغييب للعقل.

ويمكن بطبيعة الحال رصد الدين الإسلامي بسهولة كمحدد رئيسي للقيم في المجتمع المصري اليوم. ولكن هذا التحديد تشوبه العديد من المشاكل منها التشتت السياسي والاجتماعي المشار إليه أعلاه والذي يضع الدين في موضع المحور الأوحد ونقطة الاتفاق الوحيدة وهو ما يعود بالضرر علي الفهم الديني أكثر من النفع لأن ذلك يزيد من حاجة الإنسان الملحة أساسا إلي ادعاء أن فهمه الديني يمثل في عقله منظومة متناسقة مع واقعه الاجتماعي وقناعاته الشخصية وبالتالي فإن الشخص يكون في حاجة إلي اعتبار فهمه وممارسته الدينية هي الصواب المطلق والحقيقة المطلقة التي تترفع عن النقد وترفض أية حقيقة أخري من حيث المبدأ. والخطر في هذا الإدعاء هو أنه في ظل الظروف الاجتماعية والثقافية الراهنة هو ادعاء ناتج عن الاحتياج واليأس لا عن البحث والتعمق. إذا كان الإنسان قد أمضي علي ظهر الأرض ملايين السنين باحثا عن حقيقة واحدة مطلقة بوجه عام، كما أمضي علماء الدين الإسلامي بوجه خاص قرونا من الزمان باحثين ومحللين للتراث الإسلامي، فإن الاطمئنان إلي فهمنا الحالي لما نتعاطاه من تراث ديني كحقيقة مطلقة وسبب للوجود raison d’etre أمر مثير للشفقة في ظل حالة النقص الحاد في مصادر البحث وعوامل تحفيز حرية الرأي والتعبير والإبداع.

إذا كان ما سبق هو رصد وتحليل لجزء من نشاط الإنسان المصري المعاصر في البحث عن محوريته فإنه ليس بأية حال تسليم بحتمية هذا الإطار. بمعني أدق فإنني أدعي وجود إطارا لا يرفض الآخر من حيث المبدأ ولا يعتبر نفسه منزها عن النقد. والدافع للتحول من حالة التمحور حول المعتقدات إلي حالة تقبل نقد المعطيات الأساسية دافعها في حقيقة الأمر هو دافع عملي بحت: حيث انه لا يمكن لي نظريا أن ادعي ان هذا التحول هو أمر مطلق في حد ذاته وإلا ناقضت نفسي، فإنني ادعي ان هذا التحول وإن كان معرض للنقد النظري إلا انه عمليا سوف يعطي مجالا أوسع للتطور والتقدم. من ناحية أخري فإن التحول الذي أدعو إليه تؤيده الحقائق التاريخية. فقد أمضت الإنسانية الغالبية العظمي من وجودها علي الأرض في صراع من أجل إثبات تفوق فكرة علي الآخري من أجل الوصول إلي حتمية تلك الفكرة وبالتالي صحتها. وللتوضيح، فإن الإطار المشار إليه أعلاه لا تختص به الشعوب العربية أو الشعب المصري وإنما تعيشه كافة الشعوب حاليا.

ألم يحن لنا الوقت أن نؤمن بإن هدم معطيات الآخر ليس هو الطريق الوحيد للوصول إلي الحقيقة؟


Sunday, May 06, 2007

المنافسة.. والصالح العام


انتهت اليوم واحدة من أشد الانتخابات الرئاسية إثارة في تاريخ فرنسا بفوز المرشح اليميني المحافظ نيكولا ساركوزي بفارق أصوات كبير يقترب من 6% عن منافسته اليسارية سيجولين رويال.. طبعا بعيدا عن الاتهامات الموجهة لساركوزي بمعاداة الأجانب.. وبعيدا عن مشاعري الدفينة بالحسرة عند متابعة تلك الممارسات الديمقراطية الحقيقية والتي تلعب فيها القوي الشعبية وبحق دورا شديد الأهمية في تحديد مصير الأمة بأسرها.. لفت نظري بوجه خاص الخطاب الذي ألقته المرشحة اليسارية سيجولين رويال بعد إعلان النتائج.. خرجت رويال علي الجماهير الفرنسية بابتسامتها الرائعة وألقت خطابا هز أعمق ما لدي من رغبات في الحرية
..
لقد وضعت لكم أدناه الرابط لكليب الخطاب الموجود علي موقع صحيفة لوموند كما أوردت ترجمة أعددتها بنفسي.. علي أي حال أدعوكم لمشاهدة الخطاب لمجرد الإحساس بمدي حماس المرشحة الخاسرة وحماس الجماهير أيضا

http://www.lemonde.fr/web/video/0,47-0@2-823448,54-906222,0.html

تلك هي الخواطر التي جالت ببالي: هل مفهوم المنافسة مختلف في مصر عنه في فرنسا؟ هل نري نحن المصريين المنافسة بشكل عام علي ان الهدف منها سحق المنافس؟ هل نعتبر الهزيمة عار؟ لماذا لا ننظر للمنافسة علي إنها في الصالح العام وليست لمصلحة الفائز فقط؟

طبعا انا مش بقارن بين الانتخابات الرئاسية في البلدين.. وذلك لدواعي التزوير والتدليس والاستعباط واخترناك وبايعناك لما نشوف أخرتها معاك وما إلي ذلك (دة طبعا عندهم هم مش عندنا) ولكن ما لفت نظري هو تعامل هذا الشعب مع مفهوم المنافسة بصفة خاصة وكيف يعمل الجميع سواء فائز او مهزوم من أجل المصلحة العامة

علي العموم اقروا الترجمة - اللي بين القوسين دة من عندي أنا مش هية اللي بتقوله

"
زملائي في الوطن وأصدقائي الأعزاء.. لقد تحدث الاقتراع العام.. أتمني للرئيس القادم أن يحقق مهمته في خدمة جميع الفرنسيين.. وأشكر من أعماق قلبي قرابة 17 مليون ناخب منحوني ثقتهم كما أقدر مدي حسرتهم.. ولكن أؤكد لهم أن هناك شيئا قد بدأ ولن يتوقف (تصفيق حاد وهتافات: شكرا... سيجولين - هتاف بجد مش بالروح بالدم وكدة) لقد اعطيت كافة قدراتي وسأكمل معكم وبالقرب منكم (تصفيق) وأشكر كافة من بذلوا جهدا في هذا العمل الديمقراطي، بالطبع اليساريين منهم ولكن أشكر أيضا الإيكولوجيين والرغبة في المستقبل وكل من قام بالتحرك ولنحتفظ بهذا الحراك الذي أحدثه هذا التجمع الشعبي والذي رافقني خلال سبعة حملات انتخابية سواء هنا أو في الأراضي التابعة لفرنسا.. لقد اشتركت في تغيير جذري في الحياة الساسية واساليبها واليسار.. ان المشاركة الكبيرة تعكس تغييرا كبيرا في حياتنا السياسية وخاصة من قبل الشباب الذين سجلوا انفسهم من اجل الانتخاب.. تحياتي لهؤلاء لهذا الاشتراك الوطني والذي يذكر الجمهورية بواجباتها في المساواة والاحترام تجاههم.. وإننا سوف نستكمل معا ما قد بدءناه معا (تصفيق حاد) يمكنكم الاعتماد علي في تعميق تطوير اليسار والوصول إلي أبعاد جديدة بعيدا عن المعطيات الحالية وذلك شرط أساسي من أجل الانتصار في المستقبل.. سأتحمل تلك المسئولية منذ هذه اللحظة ولن تهن قواي من أجل الدفاع علي المبادئ التي تجمعنا والتي أثق في أنها سوف تجمعنا في المستقبل من أجل الوصول لانتصارات أخري.. احتفظوا بثقكم وحماسكم.. توجد فرص أخري وسوف أكمل الصراع الذي بداته معكم.. ان ما صنعناه من أجل فرنسا سوف يؤتي ثماره بالتأكيد.. ومعا سوف نبقي الأمل حيا.. هذه هي قناعتي من أجل النساء.. اليسار.. والتقدم

"تحيا الجمهورية.. تحيا فرنسا

والنبي ما تنسوش تدعوا لأيمن نور الله يكرمكم

Tuesday, April 17, 2007

جواب لنفسي

عزيزي عمر

فجر يوم جديد طالع علينا واحنا مع بعض، من 24 سنة وأكتر واحنا ما بنتفارقش زي المقدر والمكتوب أو زي ماتقول العمل الردي، المهم يا صديقي العزيز ان في الأول وفي الآخر مالناش غير بعض ولو اتخليت يوم عنك حتكون دي بداية الضياع

ببص النهاردة يا صديقي لقيت فيه حاجة ضاعت في الطريق.. سيبك من راحة البال.. انا عمري ما كنت بادور عليها.. فاكر زمان من كام سنة.. او من كام شهر.. كان فيه حاجة اسمها كرامة.. يااااااااه تصدق الكلمة دي بقت بتضحك؟ جرب تقولها في الشارع كدة حتلاقي ألف من يهزأك. المهم يا زميلي انه في يوم الأيام انا وانت كان عندنا من الشيء دة.. متعرفش والنبي ياخويا دة بييجي من ايه؟ المهم انه خلاص يا حلو.. مابقاش.. فاكر الحاجة الرخمة دي اللي كانت بتخليني اقوم منطور من مكاني لما سيادتك تعمل حاجة كدة ولا كدة واقلك: عيب يا ولد.. مايصحش.. خليت ايه للجرابيع؟ خلاص ما بقاش.. لا بقيت باقوم ولا باتكلم ولا بهش ولا بنش.. عارف ليه يا صديقي؟ لأني اتخليت عنك وسلمتك لغيري، سبت ناس غريبة هية اللي تمشيك: اللي يقوللك روح جامع واللي يقوللك روح كنيسة... وفي الغالب يا زميلي كان بيقولك روح خمارة.. امبسط يا عم الحاج وهيص هو حد واخد منها حاجة؟ انت محتاج الأصول والكرامة والكلام الحمضان دة في ايه؟ يعني دة حينفعك لما تموت من الجوع؟ انت محتاج إله في ايه؟ انت برده مش بتقول انك جامد وبرم؟ وبعدين يا عم الحج انت هنااااك مش هنا! الكلام الفاضي دة بيمشي في البلاد الكحيانة بس

المهم يا صديقي انك تسمع دة وتصدق دة وفي الآخر تلف وترجعلي.. بس في الطريق ضاعت حاجة.. ويا عالم حاترجع ولا لأ.. بيقولوا يا عمر ياخويا ان اللي انكسر بيتصلح، صحيح لو انكسر كرسي مثلا ولا حيطة ولا حتي نافوخك ممكن يتصلح، بس تفتكر البني آدم اللي انكسر ممكن يتصلح؟ فاكر لما كان لينا إله فاهمنا وفاهمينه؟ فاكر كنا فرحانين قد ايه؟ تفتكر بعد فاصل الندالة المتواصل دة ممكن نرجع ونبقي معاه تاني؟ تفتكر ممكن يمد إيدة في وسط بحر الزبالة والوساخات اللي أنا وانت فيه ويشدنا؟ يابني والله دة لو حصل حيبقي جميل عمري ما حنساه.. والا انت ايه رأيك؟ انت ساكت ليه؟ انا عارف انك مقموص مني، انا فعلا استاهل واستاهل كمان ضرب الصرمة.. بس اوعدك يا صديقي اني طول مانا موجود مش حيهدالي بال إلا لما ترجع لأصلك: إنسان
صديقك: عمر

Labels:

Tuesday, March 20, 2007

الثورة


تضحكني فكرة الضعف اللانهائي للإنسان
..
علي الرغم من الجهد المضني بحثا عن حقيقة وجوده
..
لا تأتي السعادة إلا لحظة إدراك عدم وجود السعادة
..
إذا تجرد الإنسان من أطر إجتماعية وروحانية يتشبث بها كمن يتشبث بقشة في بحر
..
لم يبق منه إلا كائن يسعي للبقاء رغما عن المخاطر المتربصة
..
والتي تفوق أضعاف أضعاف قوته وحجمه
..
ويتجلي جماله في السعي الشجاع لمواصلة الوجود
..
وينتهي وجوده إذا ما تخلي عن الصراع
..
الثورة هدف وليست وسيلة

Labels:

Monday, January 29, 2007

حلم

يخطو علي شاطئ الترعة دون عجل. يتحرك ذراعه الأيمن في تلقائية ولامبالاة لتعديل وضع الحمل فوق رأسه وتقبض يده اليسري علي قطعة قصيرة من القصب لتبقيها بين فكيه المتحركان في سرعة ورضا. تتنقل عينيه في ألفة بين مناظر يعرفها جيدا. الطبيعة تبدو هادئة آمنة إذا ألفناها وقد تغري المرء أن يطمئن إليها. يري بيته فلا يمعن النظر حيث يعلم ماذا يجري بداخله في هذا الوقت من النهار. سكينة شاملة تملؤه برغم غوص خفاه في الوحل من حين لآخر وثقل الحمل الذي يجب تسليمه لشخص ذو جبروت

تدريجيا تسطع الشمس وتنجلي البيئة المألوفة لتكشف عن واد فسيح تتشعب فيه الترعة إلي آلاف الجداول المتداخله. يدرك انه لا يعرف موقعه ويبتسم في كسل مستسلما لفكرة الضياع والمغامرة. تتهيأ في مخيلته صورة الشخص صاحب الحمل فيفزع وترتجف قدماه. يدفعه الإحساس بمرور الوقت إلي الجري في كل اتجاه متشبثا بالحمل فوق رأسه بكلتا يديه. يقفز في تعب بين الجداول وتدور رأسه كالساقية بحثا عن حل في جعبة حلوله التي طالما ظن أنها لا تفرغ

يقفز قفزة عملاقة فيسقط في بستان تختلط فيها جميع الألوان المبهجة بكل الروائح الذكية. بينما هو جالس بجوار حمله في ذهول تقبل عليه حورية بيضاء الوجه لم يري مثل جمالها من قبل. يتطاير شعرها وأطراف ثوبها في حركات متشابهة إذ هي تهبط من السماء ببطء مقتربة منه. يخفق قلبه في عنف وتشتد سخونة جسده. يشعر بأن نهاية معاناته قد اقتربت وان حياته سيصبح لها بعد لحظات معني جديد

إذ تصبح الحورية علي مقربة منه تمد ساقها في خفة وتضعط بقدمها العارية علي مؤخرة رأسه فتندفع مرة أخري في الفضاء محلقة بعيدا. يقف مصعوقا من وقع المفاجأة وهو ما ذال يشعر بقدمها علي رأسه فيجد نفسه وقد صار علي جزيرة شديدة الصغر تكفيه بالكاد ليجلس وبجواره الحمل ومن حوله مياه زرقاء راكدة ممتده في كل اتجاه لا يعرف ان كانت تخفي وراءها شيئا

Wednesday, January 17, 2007

للبيع


أشكر لجميع السادة الضيوف التعليقات الكريمة علي التدوينة السابقة (اللي تحت دي علي طول) ويسرنا ان نعلن لسيادتكم عرض المدونة للبيع بالتقسيط وبدون فوائد وبدون أقساط وذلك لدواعي الملل أو الكسل أو الخمول علي رأي شيرين سيف النصر في فيلم النوم في العسل.. وعليه فقد قررنا بيع المدونة لأعلي سعر أو إغلاقها لأجل غير مسمي وذلك بعد أن جفت الكلمات كما تجف المياه في مواسير مدينة نصر والحي العاشر
..
..
..
علي السادة الراغبين في شراء مدونة حديثة استعمال طالب التقدم بالعروض في اظرف مغلقة خلال الاحدي عشرة دقيقة القادمة
..

Sunday, December 24, 2006

فصل المقال في تفسير العيال


من التعبيرات الشائعة أن يقول المرء فلان "بداخله طفل" – وتلك العبارة علي ما تبدو من بساطة ووضوح في معناها إلا انها معقدة مركبة تعقد الزمان الذي مر بها فجعل من عجائبه أنها كلما تناقلتها الألسنة كلما استعصت علي الفهم. وهي تنتمي لتلك الطائفة الشائعة من المفردات التي نستخدمها لننقل فيما بيننا أفكارا نحسبها واضحة جلية بينما هي في واقع الأمر شديدة الغموض

ورغم ان تحليل وتفسير هذا المصطلح أمر وان ادعي بشر القدرة علي التصدي له كان ذلك دربا من دروب الجنون إلا إنني – وما أجهلني – قد قعدت العزم علي القيام بتلك المهمة المضنية

بادئ ذي بدء يجدر بنا أن نستثني من تحليلنا هذا طائفة محددة من بني البشر ألا وهي النساء متزوجات كن أم فاجرات فاسقات وقد انتفخت بطونهن حلالا أم سفاحا. وتلك الطائفة تخرج عبارتنا من قاعدة الغموض إلي استثناء الوضوح والإجماع. فإذا قلت فلانة "بداخلها طفل" أو قالت فلانة "أنا بداخلي طفل" وكانت تلك الفلانة حامل في الشهر الثامن صح هذا القول تمام الصحة وما عارضه إلا الجهلاء أو السفهاء من القوم

وفي قول آخر لا يجوز نعت الجنين في بطن أمه بالطفل إذ هو لم يري النور ولم يكتمل إنسانا يتنفس ويبكي ويرضع إلا ان هذا القول يصح في الأغلب الأعم لاتفاق العامة وشيوع الخطأ واستخدام الحال المستقبل لوصف الحاضر وما هو أعم لوصف ما هو أخص وقد اختلف علماء الغرب العلماني في تلك الأمور أيما اختلاف وتفرقت آراءهم – فرق الله شملهم ورمل نساءهم – أيما تفرق في معرض نقاشهم عما يسمونه بالإجهاض وحق الحياة والله أعلم ببواطن الأمور

أما إذا ذكر هذا الوصف في أنثي لم يقربها رجل أو ذكر مكتمل الذكورة صار أمرا عسير علي البنان واحتار في تفسيره الإنس والجان. ومما يزيد الأمر التباسا استخدام اللفظ علي عمومه دون تحديد موقع الطفل من الداخل الإنساني. والأمر علي عمومه وتجريده يعتمد علي حجم الطفل والتشريح الداخلي للإنسان وكلها أمور يقربها العقل الإنساني من باب الافتراض والفضول وليس من باب اليقين القاطع والبرهان الساطع. فإذا كان الطفل صغيرا ضئيلا جاز انحشاره في البلعوم أو بأعلي الحجاب الحاجز. أما إذا كان كبيرا مكتمل النمو مثل فحل البصل الأخضر وقد ازمهر في الصباح لا يعقل وجوده بداخل المرء اللهم إلا إذا كان ذلك بداخل المعدة أو الأمعاء. والقول الأرجح هو تمركزه بداخل الأمعاء الغليظة إذ من خصائص الأطفال الحراك الدائم كما أنهم قد يشيعون في المكان بللا غير محمود علي حين غرة فاستلزم ذلك وجودهم في محيط غليظ

وقد شاع أمر هذا الاصطلاح وتناقلته الألسنة كما يتناقل الحشاشون زغاريفهم في غرزة جدباء ملبدة بالغيوم. فمنهم من تنفرج أساريره وينعت نفسه بذاك الوصف دالا بذلك علي حسن النوايا ونقاء القريحة ومنهم من يدعي هذا الادعاء بغرض الإيحاء بالبراءة والتقلب وحب اللهو والمرح وعلي كل الأحوال فإن تلك النعوت تفترض استئثار فئة الأطفال بها استئثارا لا يعرف الخلط فإذا مست ابن آدم مسا ولو طفيفا كان ذلك من باب التشبه بالأطفال وليس من باب الخصال الأصيلة وهو فرض في مجمله لا يستسيغه العقل الواعي ولا الباطن حيث تختلط أطوار المرء من المهد إلي اللحد أيما اختلاط وتتداخل أيما تداخل

وقد انتشر هذا القول بين الناس كالماء في المواسير حتي تغني به أستاذ الطرب الأصيل الشيخ جون لينون – رحمه الله – فقال "يا امرأة أتمني أن تفهمي الطفل الصغير بداخل الرجل" وصار هذا البيت الفريد من عجائب ما جادت به القرائح في هذا الزمان فردده الصبيان في الطرقات وارتفع بالغناء في الاستريوهات وهامت به العذراوات دون الاكتراث بما يعتريه من لبس واضح وجهل فاضح ودون الخوض في غمار التفاسير وسبر أغوار المعاني

ولإن كانت العقول قد وقفت ذاهلة أمام هذا اللغز الدفين وما برحت الأذهان عاجزة خاشعة أمام تلك الظاهرة التي استعصت علي كل عجوز ماكرة وكل لعوب فاجرة فقد خر ادعياء التكنولوجيا والعولمة والميكنة مشدوهين وتأرقت مضاجعهم إذ عجزت كل بدعهم عن الكشف عن ذلك الوجود الخفي الغويط الذي لا يكشفه سونارا ولا يثبت وجوده تحليل بول

أقول قولي هذا وأستأذنكم دلوقتي عشان دة معاد الرضعة بتاعة الطفل الذي بداخلي