Saturday, November 11, 2006

النظام المصري واحتكار القوة

في تلك الدوامة اللانهائية التي نعيشها من تردي في الأوضاع المعيشية وإحباط من الأوضاع الدولية وما يصاحبها من مظاهر الشكوي التي لا تنقطع في مجتمعنا المصري، قد يكون من المفيد أن نوقف قليلا لنسأل هذا السؤال البسيط:

هل نعرف ما الذي نريده بالضبط؟

للأسف فإن الإجابة: لا. نحن لا تنفق علي الأهداف. نحن لا نتفق حتي علي أسباب الشكوي. فبينما يشكو البعض من قمع المظاهرات، يتأفف البعض الآخر من تبرج النساء! وبينما يري البعض المشكلة في فساد الحكام العرب وضعفهم، يري البعض الآخر ان مشكلتنا البعد عن الدين.
وبعيدا عن التفسيرات التي تتجاوز حدود المنطق العلمي (كأن نقول ان ما يحدث لنا ما هو إلا غضب من الله) والتي لن أتطرق لها لجهلي بأبعادها وعدم تعلقها بموضوع هذه التدوينة، فإن تلخيص المشكلة في ضعف الحكام هو بلا شك نوع من التسطيح.

كما ان الاعتقاد بأن الحل هو مجرد تعديل في الدستور هو اعتقاد ساذج لأن تعديل الدستور وحده لا يمنع استمرار الحكم الديكتاتوري إنما وجود آليات عملية لإحداث توازن سياسي والإبقاء علي هذا التوازن هو السبيل الوحيد للقضاء الدائم علي الديكتاتورية.

ليست هذه دعوة لتوحيد وجهات النظر لأن هذه نتيجة يستحيل تحقيقها. لكن الواقع أننا جميعا أو الغالبية العظمي منا تشترك في أمر واحد: الواقع المرير. فإذا قدر لنا أن نشترك في هذا الواقع، من المنطقي ان نشترك جميعا في الرغبة في التخلص منه.

إلا أن المشهد المصري حاليا لا يوحي بقرب تحقق هذا الخلاص، وذلك لعدم وضوح مصدر المشكلة في أذهان الكثير منا وبالتالي عدم وجود رؤية واقعية لحل تلك المشكلة.

بنظرة مجردة للواقع المصري، يمكن تفسير المشكلة التي تعيشها مصر في اختلال موازين القوة* حيث يتركز الجزء الأكبر من القوة في أيدي عدد محدود من الأشخاص بينما لا تمارس الغالبية العظمي من الشعب المصري أية مظاهر قوة تذكر. وتركز القوة هذا وإن بدا أمر واقع لا مفر منه، إلا ان الحقيقة خلاف ذلك تماما.

بتحليل أسباب تمركز القوة في أيدي النخبة الحاكمة نجد أنها كما يلي:

1- السيطرة علي القوات المسلحة
2- السيطرة علي الشرطة
3- السيطرة علي الأجهزة العامة
4- إنصياع الشعب وتعاونه

وعلي الرغم من أن العناصر الثلاثة الأولي قد تبدو شديدة التعقيد والصعوبة في المواجهة، إلا ان العنصر الرابع هو الأهم والأكثر تأثيرا وذلك لسبب بسيط وهو كون هذا العنصر جزءا لا يتجزأ من باقي العناصر. بمعني أوضح، فإنه لولا إنصياع العنصر البشري في المجتمع بكل فئاته مع رغبات النظام الحاكم لفقد السيطرة علي كل من الجيش والشرطة وأجهزة الدولة الأخري لأن تلك الاجهزة تتوقف حتما إذا توقف العنصر البشري.

وعلي ذلك فإن الحل الواقعي الوحيد للوضع الحالي في مصر يتمثل في توقف الشعب عن الإنصياع للسلطة. طبعا هذا لا يمكن إنجازه عن طريق مجرد الدعوة إلي ذلك لإن تلك الدعوة في الواقع الحالي سوف تقابل إما بالرفض أو بالسخرية. إنما الوصول لتلك النتيجة لا يتم إلا بعمل جاد ومنظم لمدة غير قصيرة من الزمن يتم خلالها إزالة الرهبة تدريجيا وتعريف المواطن المصري بحقه والأسباب الحقيقية المنطقية لتدهور أوضاعه. وهذا لن يتم علي أرض الواقع إلا باتحاد القوي الديمقراطية ووضع برنامج عمل موحد وملزم للجميع مبني علي توجيه الخطاب للمواطن المصري في استراتيجية طويلة المدي تهدف إلي تحويل السلطة في المجتمع المصري تدريجيا من محتكريها حاليا إلي عامة الشعب عن طريق تدعيم قدرة المواطن علي العمل الإيجابي والتأثير علي اتخاذ القرار. طبعا ذلك يتطلب اتفاق القوي الديمقراطية علي الكثير من التفاصيل مثل نوعية الخطاب الموجه للمواطن والذي يجب أن يلائم الطبيعة الخاصة للشعب المصري، كذلك الهدف النهائي المراد تحقيقه والأهداف المرحلية.

وأبسط دليل علي ذلك هو قدرة الشعب المصري متمثلا في مجموعة محدودة منه علي انتزاع حقه في التظاهر السلمي حتي أصبح التظاهر أمرا عاديا ويقابل بقمع أقل من النظام. نفس الأمر ينطبق علي الحق في نقد رئيس الجمهورية وأسرته.

باختصار، فإن كل ذرة من القوة يحصل عليها الشعب، يفقد النظام أمامها ذرة قوة تماثلها تماما في القدر. ولذا فإن الحل الوحيد الواقعي والممكن هو العمل الجاد والشجاع والدءوب نحو تعديل ميزان القوة في مصر وهو ما سوف يتطلب
الكثير والكثير من الجهد من الحركات الديمقراطية حتي تتخلص من اختلافاتها أولا ثم تضع قدمها علي الطريق
(المصدر: جين شارب: دور القوة في النضال اللاعنيف (معهد ألبرت إنشتاين، 2000*

9 Comments:

At 9:36 AM, Blogger أجدع واحد في الشارع said...

والله انت عند حق

 
At 6:19 AM, Anonymous Anonymous said...

الشعب وتعاونه تقصد الشعب وسلبيته

 
At 7:29 AM, Blogger عمر said...

أجدع واحد: شكرا ومتقطعش الزيارة

:)

ياسر: "التعاون" هنا يشمل التعاون الإيجابي الإرادي (كأن يصبح المواطن مرشدا أو عضوا في جهاز أمن الدولة أو غيره) والتعاون السلبي عن إرادة واعية أو مغيبة، مثل الغالبية العظمي من الشعب. والمقصود ب"وقف التعاون" هو، بعد مرحلة طويلة من النضال، سحب غالبية الشعب الشرعية من النظام القائم والتعامل معه علي انه محتل أو مغتصب للسلطة. لكن دي طبعا مرحلة متقدمة للغاية وربنا يدينا طولة العمر

 
At 11:21 AM, Anonymous Anonymous said...

بص يا عمر
كل اللى انت قلته مضبوط وحلو. السلبيه اللى شعب عايشها هى سبب المصائب. كل واحد يقول وانا مالى..خلاص خدوا على دماغ اللى خليفوكم طالما كل واحد بيقول وانا مالى..

اذا الشعب يوما اراد الحياه فلا بد لليل ان ينجلى ولابد للقيد ان ينكسر ولابد للقدر ان تستجيب.. ابأ زورنى

 
At 11:55 AM, Blogger عمر said...

المهاجر: نورت المطرح! حقيقي في حالة من السلبية لكن ده بيطرح نقطتين مهمين

1- مش معني ان الشعب سلبي انه "يستاهل" الوضع المتدهور اللي هو فيه لأن السلبية دي نتاج مؤثرات سياسية واجتماعية وثقافية كتيرة جدا، ودي حالة عادية في المجتمعات الخاضعة للديكتاتورية، فما بالك بشعب عاش آلاف السنين محكوما بالحديد والنار؟

2- وفقا لنظرية النضال اللاعنيف انظر المرجع اسفل التدوينة حالة الخوف والتراجع و"الأنامالية" هي "جزء" من الواقع السياسة المطلوب تغييره وليست مجرد "عقبة" في سبيل تغيير هذا الواقع.. يعني في سبيل التغيير يكون أحد الأهداف المرحلية (ويمكن أهمها) هو تجاوز حالة الخوف والسلبية، ودة شفناه في مصر مؤخرا في نطاق ضيق، وكل المطلوب هو خطة عامة لتحقيق هذا الهدف وغيره لحد مانوصل للنتيجة المطلوبة (أو هذه هي الخطوط العريضة للنظرية)

 
At 4:27 PM, Anonymous Anonymous said...

عمر
انت بتيجى عندى تسيب تعليقات تموتنى م الضحك وبعدين تيجى هنا تكمل النطال بتاعك
الله يجازيك يا شيخ

 
At 9:07 PM, Blogger عمر said...

يا أستاذ رأفتاني لكل مقام مقال! وبعدين المدونة بتاعتك شرحة كدة والهوا فيها يرد الروح، إنما هنا الدنيا سياسة وديكتاتورية وحاجات تحرق الدم كدة

وبعدين بصراحة أنا بحب المدونة بتاعتك وناوي اتسرمح فيها في اوقات الفراغ.. ويجعله عامر دايما كدة إن شاء الله

 
At 3:13 PM, Blogger lastknight said...

عزيزى عمر
حضرت تلبية لدعوتك الكريمه و قرأت موضوعك , فعلا اقتراح جيد لكنى قد أرغب فى توضيح نقاط هامه فى رأيى الشخصى :
أولا ثبت أن جميع القوى الديموقراطيه فى مصر هى مجرد كيانات عرجاء تماما .. لا تسمن ولا تغنى من جوع .. و بالمناسبه مجرد محاولة وضع تعريف للقوى الديموقراطيه يستلزم بالتبعيه مثلا الأعتراف بالحزب الوطنى كقوه موجوده بالفعل على الساحه السياسيه !!! أما استبعاد الحزب الوطنى على أساس اتفاق أغلب المعارضين على عدم وطنيته .. فقد تفاجأ يا عزيزى باتفاق آخر يمنع اعتبار الأخوان المسلمين مثلا من الأنضمام للقوى الديموقراطيه باعتبار مرجعيتهم الأساسيه فى الحكم ليست نابعه من حكم الشعب .. و هو الترجمه الحرفيه للديموقراطيه .. و أذا وافقت على انضمام الأخوان المسلمين لقوى الديموقراطيه .. فأن اعتراضهم كأخوان على حضور العلمانيين فى العمليه الديموقراطيه قد يصدمك هو الآخر .. مفاده .. البحث عن الأجماع يخالف المنطق الأساسى للأمور
ثانيا : من الواضح جدا أن فكرة سلبية الشعب قد تعمقت فى رؤوس الكل بما فيهم أنا نفسى .ز لكن لننظر من الوجهه الأخرى للموضوع .. لم لا نقول أن أيا من القوى السياسيه الحاليه لم ينجح فى تحريك الشعب حتى الآن ؟ و نعترف بخواء و سطحية و فشل كل القوى السياسيه الموجوده كمبادىء و مشروعات .. و لا يتبقى جاذبا للشعب سوى ثلاثة أشياء لا رابع لهم .. أما المصالح التى قد تتحقق بالأنضمام للحزب الوطنى .. أو .. الكاريوما الشخصيه للقائد كما فى حالة ايمن نور و طلعت السادات .. أو.. المرجعيه الدينيه كما فى حالة الأخوان المسلمين
و فى جميع الأحوال .. فالمصالح أو الكاريزما أو المرجعيه الدينيه لا علاقى لأيهم بالديموقراطيه من اساسه .. كفكره أو كمنهج

عزيزى عمر .. فكرتك جيده جدا .. لكن لا أعتقدها تتناسب مع واقع الأرض الحقيقى .. و أن كنت أتمنى نجاحها .. أبدأ .. و لا تعتمد على كيان محدد .. أبدأ كما قام محامى منفرد هو ناصر أمين برفع قضيه على وزير الداخليه للتعذيب .. ابدأ كما تحرك عمال المحله بمفردهم بلا أحزاب ولا جماعات ولا أى شىء .. أتمنى زيارتك لمدونتى قريبا .. و اسمحلى استخدم مدونتك كمرجع للدراسه فى مشروع كتابتى القادم

 
At 6:05 PM, Anonymous Anonymous said...

بااختصار شديد انت صح جدااااااااا والموضوع واقعى تماما فى هذا الوقت الذى نحيا به......جزاك الله كل خير بجد وانا منتظرة زيارتك لمدونتى المتواضعة
http://alr7eam.blogspot.com/

 

Post a Comment

<< Home